هذي البلاد, شقةٌ مفروشة
يملكها شخص يسمى عنتره
يسكر طول الليل عند بابها
ويجمع الإيجار من سكانها
ويطلب الزواج من نسوانها
ويطلق النار على الأشجار, والأطفال,
والعيون, والأثداء..
والضفائر المعطره…
-2-
هذي البلاد كلها..
مزرعة شخصيةٌ لعنتره
سماؤها
هواؤها
نساؤها
حقولها المخضوضره..
-3-
كل البنايات هنا
يسكن فيها عنتره
كل الشبابيك..
عليها صورةٌ لعنتره
كل الميادين هنا
تحمل إسم عنتره…
-4-
عنترة يقيم في ثيابنا
في ربطة الخبز
وفي زجاجة الكولا..
وفي أحلامنا المحتضره
في عربات الخس, والبطيخ,
في الباصات,
في محطة القطار,
في جمارك المطار,
في طوابع البريد,
في ملاعب << الفوتبول>>,
في مطاعم (البيتزا)..
وفي كل فئات العملة المزوره…
-5-
مدينةٌ مهجورةٌ.. مهجره..
لم يبق فيها فأرةٌ, أو نملةٌ..
أو جدول, أو شجره..
لا شيء فيها يدهش السياح
إلا الصورة الرسمية المقرره
للجنرال عنتره
في غرفة الجلوس,
في الحمام,
في المرحاض,
في ميلاده السعيد,
في ختانه المجيد,
في قصوره الشامخة..
الباذخة.. المسوره…
-6-
ما من جديدٍ
في حياة هذ المدينة -المستعمره
فحزننا مكرر
ونكهة القهوة في شفاهنا
مكرره..
فمنذ أن ولدنا
ونن محبوسون
في زجاجة الثقافة المدوره..
واللغة المدوره..
ومذ دخلنا المدرسه
ونحن لا ندرس إلا سيرةً ذاتيةً واحدةً
تخبرنا عن عضلات عنتره…
ومكرمات عنتره..
ومعجزات عنتره..
ولا نرى, في كل دور السينما
إلا شريطاً عربياً مضجراً
يلعب فيه عنتره!!
-7-
لا شيء في إذاعة الصباح نهتم به
فالخبر الأول فيها
خبرٌ عن عنتره
والخبر الأخير فيها
خبرٌ عن عنتره
لا شيء في البرنامج الثاني سوى
عزفٍ على القانون
من مؤلفات عنتره
وباقةٍ من أردأ الشعر..
بصوت عنتره..
ولوحةٍ زيتيةٍ
من خربشات عنده…
-8-
هذي بلادٌ
يمنح الكتاب فيها صوتهم
لسيد المثقفين عنتره
يجملون قبحه
يؤرخون عصره
وينشرون فكره
ويقرعون الطبل
في حروبه المظفره…
-9-
لا نجم فوق شاشة التلفاز
إلا عنتره
بقده المياس..
أو ضحكته المعبره
يوماً, بزي الدوق والأمير
يوماً, بزي الكادح الفقير
يوماً, بزي الواحد القدير
يوماً, على دبابةٍ روسيةٍ..
يوماً, على مجنزره..
يوماً, على أضلاعنا المكسره
-10-
لا أحدٌ..
يجرؤ أن يقول (لا)..
للجنرال عنتره
لا أحدٌ..
يجرؤ أن يسأل أهل العلم في المدينه
هل وجد الخالق قبل عنتره؟
أم وجد الخالق بعد عنتره؟
إن الخيارات هنا محدودةٌ
بين دخول السجن..
أو بين دخول المقبره…
-11-
لا شيء..
في مدينة المليون تابوتٍ..
سوى تلاوة القرآن..
والسرادق الكبير..
والجنائز المنتظره
لا شيء..
إلا رجلٌ يبيع في حقيبةٍ
تذاكر الدخول للقبر..
يسمى عنتره..
-12-
عنترة العبسي
لا يتركنا دقيقةً واحدةً
فمرةً, يأكل من طعامنا
ومرةً, يشرب من شرابنا
ومرةً, يندس في فراشنا
ومرةً, يزورنا مسلحاً
ليقبض الإيجار..
عن بلادنا المستأجره..
-13-
هل ممكنٌ؟
هل ممكنٌ؟
أن يستقيل الله من سمائه
وأن تموت الشمس,
والنجوم,
والبحار,
والغابات,
والرسول والملائكه..
ولا يموت عنتره؟؟

0 comments:

إرسال تعليق

 
حكمة كل يوم © جميع الحقوق محفوظة